الرياض ـ محيطجذبت السعودية أنظار العالم خلال العام الجاري لاحتوائها أزمتي الطاقة والاقتصاد مما دفع بالرياض إلى صدارة العواصم العالمية التي عجت بحركة سياسية واقتصادية نشطة جمعت حشد من المهتمين بشئون الطاقة والمال من مسئولي حكومات وشركات عالمية كبرى.وفى هذا الإطار، خرجت السعودية من استضافة مؤتمر دولي للطاقة في جدة في يونيو الماضي حول أزمة الطاقة جراء ارتفاع أسعار النفط حينها إلى 140 دولارا للبرميل الواحد، ثم عادت ثانية إلى بؤرة الاهتمام العالمي في النصف الثاني من العام 2008 مع ظهور الأزمة المالية العالمية وتزايد الآمال بإسهام السعودية بعوائدها النفطية في إنقاذ الاقتصاد العالمي من الانهيار.وقبل أن تبادر السعودية للدعوة لعقد اجتماع جدة الدولي للطاقة في 22 يونيو الماضي، شهدت الرياض في 14 يناير 2008 أول زيارة للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي أجرى مباحثات مع العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز توجت بتوقيع مجموعة من اتفاقات التعاون الثنائي في مجال الطاقة.وأعلن ساركوزي في ختام الزيارة أن الشركات الفرنسية ستوقع قريبا عقودا للتعاون المدني والعسكري مع السعودية قيمتها نحو 59 مليار دولار، مشيدا بما أسماه "الدور الذي تلعبه السعودية لدفع الدول المنتجة للنفط باتجاه الاعتدال"، معتبرا أن سعر المائة دولارا للبرميل هو سعر "مضاربات" وان السعر الحقيقي للنفط هو 70 دولارا للبرميل.وبعد زيارة الرئيس الفرنسي بيوم واحد حل الرئيس الأمريكي ضيفا على الرياض في زيارة هي الأولى له منذ توليه رئاسة الولايات المتحدة مطلع العام 2001 في سياق السعي الأمريكي لطلب المساعدة في التخفيف من حرارة أسعار النفط المرتفعة، والتي بدأت في تهديد الاقتصاد الأمريكي، من خلال مساعدة الدول المصدرة على زيادة العرض النفطي في الأسواق.ولم تكن الصين غائبة عن الساحة السعودية خلال العام 2008 إذ شاركت بمستوى رفيع برئاسة نائب الرئيس الصيني شي جين بينغ في اجتماع جدة الدولي للطاقة في يونيو الماضي الذي أكد التزام الصين بإستراتيجية مستدامة للطاقة، وتقدم إسهامات فعالة لتنمية الطاقة المستدامة، وأمن الطاقة في العالم.من جانبه، حرص رئيس الوزراء البريطاني جوردن براون على استغلال مشاركته في اجتماع جدة الدولي للطاقة لحض منتجي ومستهلكي النفط على شفافية أكبر في العرض والطلب على المدى الطويل مقدما عرض بلاده للدول الغنية الأعضاء في منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) بتوفير التكنولوجيا الملائمة لزيادة إنتاج النفط في هذه الدول وتكريره.من ناحية أخرى، يرى محللون أن تمتع السعودية بثقل سياسي واقتصادي مؤثر جعلها وجهة رئيسية ومهمة لأنظار العالم لطلب مساعدتها في معالجة أية أزمة تظهر على السطح، مشيرين إلى مبادرتها الفورية لعقد اجتماع جدة الدولي للطاقة لاحتواء أزمة الطاقة جراء ارتفاع أسعار البترول والتخفيف من الاحتقان العالمي مما يهدد بإفراز اضطرابات وقلاقل أمنية عالمية.واعتبروا دعوتها لهذا الاجتماع تنطلق من حرصها على استقرار أسعار النفط وخلق التوازن المطلوب في الأسواق العالمية بما يحقق مصالح الدول المنتجة والمستهلكة للنفط ويحقق نمو الاقتصاد العالمي.وأشاروا إلى الارتياح الذي ساد الأوساط النفطية العالمية وبدأت أسعار النفط بالهبوط تدريجيا على اثر اعلان العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز في افتتاح الاجتماع عن قرار أحادي بزيادة الإنتاج النفطي اليومي 700 ألف برميل ليصل إلى 9.7 مليون برميل يوميا مع الاستعداد لرفع الإنتاج إذا لزم الأمر.وأكدوا أن مبادرة الملك عبد الله بإنشاء صندوق لأوبك بقيمة مليار دولار وتخصيص نصف مليار دولار كقروض ميسرة للدول الفقيرة بهدف تمكين الدول النامية لمواجهة تكاليف الطاقة جاءت في إطار مساعي السعودية التي اسهمت في ازالة الهواجس والقلق الذي انتاب بعض الدول باستفادة المملكة من ارتفاع أسعار النفط.على جانب أخر، رأى مراقبون أن اجتماع جدة للطاقة مثل قراءة مستقبلية مسبقة للأزمة المالية العالمية بدعوته إلى "تحسين الشفافية" في الأسواق المالية والتشريعات المتعلقة بها كتدبير لتحقيق الاستقرار في سوق النفط العالمية.وخلال شهر نوفمبر عام 2008، عاد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ورئيس الوزراء البريطاني جوردن براون لزيارة السعودية مرة ثانية لكن هذه المرة مصطحبين ملف الأزمة المالية العالمية الذي كان المحور الأساسي لمباحثاتهما مع العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز وطلب المساعدة بشأن أسعار النفط وللحصول على تمويل لصندوق النقد الدولي كي يساعد الاقتصادات المعرضة للخطر على اجتياز الأزمة الائتمانية.وأكد جوردن براون في الرياض أن للسعودية دورا يعول عليه في إصلاح النظام الاقتصادي العالمي، وسيكون لها "دورا حاسما" خلال قمة مجموعة العشرين التي عقدت في واشنطن منتصف نوفمبر الماضي.وأشار إلى أن الدول المنتجة للنفط التي حصلت على أكثر من تريليون دولار من ارتفاع أسعار النفط في السنوات الأخيرة في موقع يسمح لها بالمشاركة في صندوق النقد الدولي الذي يحتاج إلى "مئات المليارات من الدولارات" لمساعدة الدول التي تواجه خطر انهيار مالي.وكانت السعودية قد بادرت في 25 اكتوبر 2008 لاستضافة اجتماع تنسيقي مشترك لوزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية الخليجية بالرياض لاحتواء تداعيات الأزمة المالية العالمية من خلال التعاون والتنسيق المشترك.ورأى مراقبون أن الاهتمام السعودي بالأزمة المالية ارتفع إلى قمة الهرم القيادي، حينما أعلن العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز أن (الأزمة حرب اقتصادية خفية) كرسالة واضحة بتسخير كافة الإمكانات للحد من تأثيراتها السلبية على الاقتصاد السعودي.وقال وزير المالية السعودي إبراهيم العساف إن مشروعات التنمية الاقتصادية في السعودية لن تتأثر جراء الأزمة المالية العالمية الحالية نظرا لتوفر السيولة الكافية التي تم بناءها خلال الفترة الماضية كما ان إيرادات النفط ستغطي هذه المشاريع لكنه في الوقت نفسه لم يستعبد حدوث تأثيرات غير مباشرة ومؤقتة.أما محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) ـ البنك المركزي- فقد أكد سلامة الاستثمارات الحكومية الخارجية المقدرة بنحو 1.4 تريليون ريال (373 مليار دولار) في نهاية يونيو الماضي واتخاذ الاحترازات والاحتياطيات للمحافظة على متانة وسلامة النظام المصرفي في السعودية.وقال مراقبون في كلمتهم التي أوردتها وكالة الأنباء الصينية "شينخوا" إن قرارات دعم السيولة المحلية والبنوك تعكس اهتمام الحكومة السعودية بسلامة ودائع المواطنين في هذه البنوك، وتسهم في تعزيز الثقة في الاقتصاد الكلي وإزالة أية تأثيرات أو عوامل نفسية يمكن أن تتسبب فيها الأزمة العالمية في الاقتصاد المحلي.من ناحيتها، اعتبرت الأوساط الاقتصادية اعلان العاهل السعودي في قمة العشرين بواشنطن في منتصف نوفمبر الماضي عن برنامج استثماري بتكلفة 400 مليار دولار في قطاع النفط والقطاعات الأخرى، خلال السنوات الخمس المقبلة، بأنه امتدادا للجهود السعودية للمساعدة في إنقاذ اقتصاد المنطقة ودفعه إلى الوقوف في وجه الأزمة المالية العالمية.وتهدف السعودية من خلال نمو مناخها الاستثماري إلى الوصول لمصاف أفضل عشر دول في العالم من حيث تنافسية بيئة الاستثمار بنهاية عام 2010 وذلك عبر مبادرة 10 في 10 لاسيما وأنها تقدمت إلى المركز 27 في قائمة التصنيف العام في "تقرير التنافسية العالمية 2008-2009" فيما كانت في تقرير العام الماضي في المرتبة 35 من بين 134 بلدا حول العالم.
السعودية تلفت أنظار العالم باحتواءها أزمتي الطاقة والاقتصاد