في زمن نضبت فيه المعجزات، وانتهت فيه
الخوارق..تستطيع المرأة بما مُنحت من خصائص فطرية، وما اكتسبت من خلفيات ثقافية
وتربوية، وما تعلمت من تجارب حياتية، أن تقدم المعجزة، وأن تُحدث الخارقة..لو أرادت
أن تعبر عن نفسها، وأن تفصح عن مواهبها، وأن تُمارس دورها المرموق في صناعة الحياة،
وذلك حينما تُشارك بدور رئيسٍ وأصيل في صناعة الرجل، وتقديمه للحياة في أفضل صورة.
نعم تستطيع المرأة أن تؤدى هذه المهمة العظمى،
إذا عرفت قدر نفسها، وتَعَرَّفت على قدراتها، وركزت في مهمتها الكبرى التي هُيأت
لها من قبل خالقها وبارئها، والتي تأتى على قمة أهم مهامها بالحياة، بعيداً عما
يزينه زاعمو مناصرة المرأة في الشرق والغرب من مهام هي في الحقيقة أوهام تهدف إلى
إهدار طاقات المرأة وقدراتها وملكاتها في قشور الأشياء وتوافهها، مرتكنين إلى آلة
إعلامية ضخمة لا تدخر جهداً في صرف انتباه المرأة عن قضيتها الرئيسة في المجتمع. إن
المرأة قد تكون ماهرة في صنع الطعام، لكن ليست وحدها الماهرة، فهي مهنة نازعها
الرجال فيها، وربما تفوقوا عليها، وقد تكون بارعة في الحياكة والأناقة، ولكن ليست
وحدها البارعة، فهي مهنة لاحقها الرجال فيها، وربما سبقوها، وقد تكون ناجحة في شئون
التدبير والاقتصاد، ولكن ليست وحدها الناجحة، فقد تداخل معها رجال ربما كانوا أكثر
نجاحاً منها، وهكذا فقد تكون المرأة سابقة أو لاحقة في كثير من المهن التي تنازل
فيها الرجل وتصارعه، ولكل منهما بعضُ جولات ينتصر أو تنتصر فيها حسب طبيعة الظرف
الراهن.
ولكن للمرأة منطقة تتمتع بالخصوصية الشديدة،
لا يمكن لأحد - سواها- أن يشغلها، أو يقترب منها، وهى منطقة الأمومة بكل ما تحمل
الكلمة من معان ودلالات، إذ لا يصلح أن يكون أماً سوى المرأة بحكم طبيعتها
وتكوينها، ثم يأتي دور الثقافة التربوية كعامل أساسي لبلورة هذه الأمومة إلى أساليب
وطرق لبناء رجل المستقبل. إن الأمومة هي حجر الزاوية في بناء كيان الرجل، وصناعة
شخصيته، وصياغة هويته، والأمومة لا تبدأ من مرحلة الميلاد، إنما تبدأ من مرحلة
اختيار الزوج الذي سيكون أباً للأبناء القادمين، فالمرأة التي لا تدقق في أمر
اختيار زوجها، تهدر عنصراً هاماً من عناصر بناء أبنائها، إذ يتأثر الولد بأخلاق
أبيه، وبشخصية أبيه التي فرضتها عليه أمٌ - ربما- لم تحسن اختيار زوجها.
ثم يقفز مكون آخر من مكونات بناء الرجل، يتمثل
في مسئولية الأم عن ولدها من لحظة أن تحمله جنيناً في أحشائها، حيث ثبت علمياً أن
العوامل النفسية والسلوكية للأم تؤثر تأثيراً عميقاً في شخصية جنينها، فالحزن
والاكتئاب، والعصبية، والتدخين، والعادات الغذائية السيئة تؤثر سلباً على الجنين من
حيث التكوين والمضمون، والعكس صحيح. والأم حين ترضع طفلها من صدرها، لا ترضعه عناصر
غذائية هامة لبنائه بناءً سليماً وانتهى الأمر، وإنما تمنحه السكينة والاطمئنان،
وتُقيم بينها وبين طفلها علاقة من الارتباط والمودة والحب، وفى ذلك أكبر حكمة إلهية
على أهمية الرضاعة الطبيعية التي تحدث عنها القرآن الكريم، إذ قال الله تعالى {
وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنّ}، والمرأة حين تعرض عن هذا المنهج وتلتفت
إلى الدعاوى الوافدة بضرورة المحافظة على جمال جسدها، فتهمل حقاً أصلياً لطفلها،
فإنها تطعن أمومتها في مقتل، إذ تشاركها هذه الأمومة قطع بلاستيكية، ثم تنتج في
النهاية طفلاً يعانى نقوصات بدنية ونفسية.
ثم تأتى مرحلة التربية بكل أبعادها النفسية،
إذ يتعلم الطفل من أمه خلال سنين عمره الأولى الرحمة أو القسوة، ويتعلم منها الحب
أو الكراهية، ويتعلم منها العطاء أو الجحود، ويتعلم منها الإيثار أو الأنانية،
ويتعلم حب الخير أو الشر، ويتعلم منها المشاركة أو الاعتزال..الخ، وهى صفات تنتقل
من مرحلة إلى أخرى فتنمو بنمو الطفل..حتى نرى بعد ذلك رجلاً في المجتمع يحمل صفات
الخير، أو يحمل صفات الشر. وبعد، فإني أتساءل..هل في الحياة مهنة أعظم من مهنة
اختارها الله لكِ أيتها المرأة، وميزكِ بها عمن سواكِ؟ هل في الحياة مهنة أروع من
صناعة الرجل؟!.