لأنه يوصف بالجريء والصريح، فاجأ الرئيس الأمريكي جورج بوش العالم كله
في حواره على قناة ABC الأمريكية قبل شهر وأسبوعين على تركه البيت الأبيض
بالاعتراف بأنه ندمان على اعتماده على معلومات وتقارير استخباراتية خاطئة
في قرار شن الحرب على العراق ولكنه كان مستمتعاً بفترتي ولايته في البيت
الأبيض. ومن المعروف أن الرؤساء يجرون حوارات يكشفون فيها عن أسرار
ولايتهم بعد انتهائها حتى يكونوا قد تخلصوا من الأعباء الرسمية للمنصب
ولكن بوش أراد أن يخفف حدة الانتقادات التي سيواجهها بعد تركه منصبه لكن
هذا الندم وهذا الاستمتاع كانا مثار اهتمام وسائل الإعلام العالمية ..
صحيفة لوفيجارو الفرنسية قالت: إن تصريحات بوش اعتراف مفاجئ ولكنه لن
يسهم في عودة الأوضاع في العراق لما كانت عليه منذ سنوات وأيضا لن يفلح في
رفع شعبية بوش؛ لأن التاريخ سجل اسمه كأسوأ رئيس أمريكي ولن يكسبه تعاطف
الأمريكيين الذين لا يرون له أي إيجابية تذكر على المستوى المحلي والدولي.
صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية شنت هجوماً ساحقاً على بوش وقالت: إن ندمه
لن يفيد أحدا حتى هو شخصيا، وكان عليه ليس الاعتراف باعتماده على معلومات
خاطئة وإنما كان عليه الاعتذار رغم كون ذلك لا يفيد ولكنه سيكون أول
اعتذار لرئيس أمريكي وأضافت الصحيفة أن بوش أراد بهذا التصريح أن يظهر
شجاعاً على نفس درب أوباما الذى قرر سحب القوات الأمريكية من العراق بشكل
مسئول وسريع واقترحت الصحيفة تشكيل لجنة تحقيق حول أداء إدارة بوش في
التحضير لهذه الحرب والكشف عن الدوافع الحقيقية لها.
صحيفة الجارديان البريطانية تساءلت لماذا يصرح بوش بذلك الآن؟ هل جاء ذلك
لتحسين صورته أم أنه رأى في قرار أوباما سحب القوات من العراق شعبية
اكتسبها الأخير وأدت به إلى رئاسة أمريكا فحاول بوش الحصول على القليل من
هذه الشعبية قبل رحيله؟ لكن اعترافه هذا سيساهم في زيادة تدهور شعبيته
فعندما يعترف رئيس أكبر دولة في العالم أن أخطر قرار اتخذه خلال حكمه
اعتمد على معلومات خاطئة فهو بذلك كسر الثقة في كل قراراته صغيرة كانت أو
كبيرة.
صحيفة كوريير أنترناشيونال الفرنسية وتحت عنوان: "الندم عديم الجدوى"
قالت: إن الندم الذي أبداه بوش لم يكن في محله؛ لأنه عديم الجدوى لأنه
قرار كانت له نتائج سلبية داخل أمريكا وخارجها وستستمر هذه النتائج لعقود
وعندما تشن الحرب بناء على معلومات خاطئة فهذا دليل على أن الرئيس لا
يتقصى ويتحقق من كل معلومة تصله ويتخذ قراراته بناء على ما هو أمامه ودون
النظر لأبعاد وتأثيرات هذه القرارات.
صحيفة صنداي تايمز البريطانية شددت على أن من يسترجع خطاب بوش والذي
أعلن فيه الحرب على العراق يتبين له مدى الثقة والثبات التي يتحدث بها بوش
والتي توحي بأنه تحقق بشكل كامل من كل المعلومات ثم بعد مرور سنوات قليلة
يظهر بوش قبل نهاية ولايته بأسابيع قليلة ليقول أنه نادم لاعتماده في
قراره على معلومات خاطئة فشعوره بالندم في حد ذاته لن يعفيه من المسئولية
الرسمية عن قرار الحرب بل سيزيد تحمله من المسئولية التاريخية وقد يدفع
هذا الندم بعض المنظمات الحقوقية الدولية للمطالبة بمحاسبه وطلب تعويضات
للشعب العراقي.
صحيفة ذا تليجراف البريطانية، قالت: إن بوش بندمه لم يضف جديدا فالجميع
يعلم أن قرار الحرب على العراق اتخذ تحت ذرائع ومعلومات كاذبة لتحقيق هدف
أمريكي بالتواجد في منطقة الشرق الأوسط حيث البترول وأدى إلى تغيرات جذرية
في منطقة الشرق الأوسط وندم بوش ليس دليلا على شجاعته بل على خوفه من
المساءلة.
"سيبقى المسئول دوما" هكذا جاء عنوان صحيفة
النيويورك تايمز الأمريكية في تعليقها على ندم بوش الذي وصفته بالمفاجئ،
وتساءلت أين كان هذا الندم من قبل؟ قائلة: إن هذا الندم لن يريح ضميره ولا
ضمير أمريكا؛ لأن قرار الحرب قرار تاريخي لا يعالجه الندم وحده.
وكالة الأنباء الفرنسية في تقريرها حول ندم بوش، قالت: إن الشعب
الأمريكي يحق له طلب مساءلة بوش حول قراره هذا؛ لأنه استخدم كل إمكانات
أمريكا المادية والبشرية والعسكرية والسياسية في تحضير وتنفيذ هذا القرار
الذي كان له آثار سياسية واقتصادية وعسكرية سيئة على أمريكا.
دكتور عبد المنعم سعيد مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية
والاستراتيجية أكد أن الندم لا يعفي الشخص من المسئولية، بل سيزيدها، ولم
يكن قرار بوش بشن حرب على العراق قراراً فردياً بل سبقه العديد من
الاجتماعات المكثفة مع أعضاء إدارة بوش من سياسيين وعسكريين ومخابرات، ولا
يمكن تصور أن الجميع كان واثقا من المعلومات المتوفرة حول سبب شن هذه
الحرب، وكان على بوش الاعتراف بأنه تعرض للضغوط لشن هذه الحرب، وبناء على
هذه الضغوط تم استعجال المعلومات دون التحقق منها، ومع زيادة الضغوط لم
يتم التحضير الجيد لا اقتصاديا ولا سياسيا ولا حتى عسكريا، وتابع دكتور
سعيد أن بوش أجرى هذا الحوار وأعلن ندمه لحفظ ماء وجهه بعد خروجه من البيت
الأبيض كما أن الدول التي انساقت وراء أمريكا وأيدتها في إقرارها هذه
الحرب يجب على مسئوليها على الأقل إعلان ندم جماعي على هذا التأييد
الأعمى، فهذا الندم بشكل عام يدفع المسئولين الحاليين عند اتخاذ القرارات
أن يكونوا واثقين من دقة وصحة المعلومات؛ حتى لا يشعرون بالندم في وقت قد
لا يكون له أي تأثير.