الصيام، مشكاة خير بلا انتهاء
هذه أنفاس الرحمة تأتي مع نسمات الفجر.
هذا عبق الطاعات يأتي مع عبير التوبة..
هذا عطر الاستقامة يأتي مع أوراد الصلوات ...
و نفحات المغفرة، يحملها الصيام، و القيام، و غض البصر، و حفظ اللسان ...
و المؤمن عندما يعجز عن عمل أو طاعة أو جهاد ..لا تفارقه النية الصالحة أبدا.
فان لصاحب النية الصالحة أجرا لا يضيع.
لما خرج النبي صلى الله عليه و سلم في غزوة تبوك قال (إن أقوما بالمدينة
خلفنا، ما سلكنا شعبا و لا واديا إلا و هم معنا فيه..حبسهم العذر).
و لكنهم شاركوا المسلمين بالأجر ..حملتهم النية الصالحة، و أدخلتهم في زمرة أهل الرضوان .
و ما نحن فيه من الخير و الإقبال على الله عز و جل و العبادة، نوعان:
نوع يلزمنا فعله، و نحن نفعله .. كالصيام، و القيام، و قراءة القران و
الصدقة و غض البصر و حفظ اللسان .. و تلك أمور إن صلحت للعبد أتاه خير
عظيم.
و نوع يلزمنا فعله، و نحن لا نفعله، و لا نستطيع فعله كنصرة كل مجاهد في
سبيل الله، و رفع الظلم عن ديار المسلمين، و رد الجيوش الغاصبة، و إيقاف
الظالمين عند حدودهم، و منع انتشار الفواحش العظيمة الكبيرة، و حفظ أمة لا
إله إلا الله، و الدفاع عن دينها و أعراضها و دمائها و أموالها ...
هذه أمور واجبة في عتق المسلمين، إن قام بها البعض سقطت عن الباقين، و إن لم يقم بها أحد أثم جميع المسلمين ...
لقد كان شهر رمضان طيلة التاريخ الإسلامي:
شهر جهاد و مجاهد
شهر نصرة الله
شهر بذل بإتعاب الأبدان...و البذل بالدماء و الأرواح و الأموال و الفزعة على الله عز و جل ...
و نحن إن قصرنا في تلك الأمور، و إن أعاقتنا الذنوب الجماعية للأمة، و إن
صدنا البعد الجماعي عن حقوق الله...لا نريد و لا ينبغي لنا أن نكون من
الغافلين...
إن ما يمر به المسلمون من نكبات ليس تقصيرا فرديا قام به البعض فدفعوا
ثمنه ... بل هو جريمة جماعية بشعة تواطأنا جميعا عليها ..و إن كان أهل
البوسنة و الهرسك و أهل السودان و أهل الصومال و شعب العراق و أهلنا في
أرض الأنبياء فلسطين و المرابطون الصامدون على الحدود .. كل أولئك أصحاب
تقصير ، أصحاب دخّل في استقامتهم
فماذا عنا باقي المسلمين ........
ماذا عن باقي الشعوب المسلمة، التي ليست فيها المذابح و لا المآسي و لا الأهوال ...
و إن كنا لا نستطيع أن نفعل شيئا، فلا أقل أن نخرج من الشهر بالنية الصادقة مع الاستغفار ..
أليس مفزعا، و مبكيا أن يخرج كثير من المسلمين من رمضان، و قد حققوا بعض
الصالحات، و فاتتهم أمور كثيرة، عجزوا حتى عن استحضار النية في فعلها، إن
عجزوا عن القيام بمقتضياتها...
كيف تحول رمضان من هدير إيماني مدوٍ، يمد الأمة بكل مقومات النصر و الثبات
إلى جوانب محدودة هي جزء من الإسلام، و ليست كل الإسلام.....
لقد فتحت مكة في رمضان ....
و دمرت أوثان أهل الشرك في رمضان ...
و دخل ملوك اليمن الإسلام في رمضان ...
و فتحت مصر صلحا في رمضان ..
و جرت غزوة بدر الكبرى في رمضان ...
و في رمضان حصلت المؤاخاة العظيمة بين المهاجرين و الأنصار ...
أين ذهب رمضان الفتوحات ... رمضان الجهاد... رمضان الإعداد و الاستعداد... رمضان الاستنفار في سبيل الله ..
رمضان الخروج من الشهوات...شهوات البطن و الفرج و المال و الأهل و الولد
.. بل الخروج عن أعظم شهوة ..شهوة الحياة كلها في سبيل الله .
إن الإسلام دين متكامل، و الصلاة تحتاج إلى جهاد، و القيام يحتاج إلى رباط
، و القران يحتاج إلى نفوس تبذل و أموال تنفق و أرواح توضع على الأكف في
سبيل الله .
و مهما كانت العوائق في الطريق ... فإن النية باب لا يستطيع أحد أن يغلقه ...
النية الصالحة مع العمل الصالح نتيجتها الفوز بإذن الله... و نرى صورا من الفائزين في رمضان :
-في صلاة التراويح و القيام:رأيت رجلا كبيرا يتكأ على عكازين و يدب على
الأرض بمهل شديد .. يسحب قدميه فتخط في الأرض خطاً كان واضحا أن المرض
أنهكه و مع ذلك خرج لماذا ؟ كل ذلك من أجل صلاة الجماعة و من أجل صلاة
التراويح
-الحياة يبنيها العمل: لكل منا له موهبة يحبها فيجب أن ينميها و يبرع فيها
و يبتكر لها ، لكي يستطيع أن يجمع الناس حوله في تخصصه و مهاراته ، في
رمضان نرى إقبال الشباب و الفتيات من دلال الخير و دعاة الهدى و كل منهم
على خير ...هؤلاء يصلون و يجولون من حي و من مسجد إلى مسجد لإرشاد الناس و
تذكيرهم حرموا أنفسهم لذة العبادة خلف إمام واحد ...تذهب أنفسهم حسرات
لختم القران مرات و مرات ... و مع ذلك عيال الله أهم .
و مع هؤلاء الذين هم بصيص الأمل لهذه الأمة...
فلنا رغم البرد ...
رغم الزمهرير ...
رغم الأشلاء في سراييفو ...
رغم...المآذن المصبوغة بالدم القاني ...
رغم أحذية الجنود في الصومال ...
رغم القهر....
رغم الآلام و المعاناة...
رغم الكيد و الحقد و المكر ....
فلنا فجر قارب أن يولد ... و مع حليب الأطفال ،فليزرع الصبر و الإيمان ، فما بغيره نسعد ...
الحكاية طويلة ، فلعتبر قبل رمضان .... و لنسأل الله القبول في رمضان
و لنجمع مع عملنا الصالح ... النية الصالحة .
يتصرف من كتاب ( الفائزون في رمضان )للشيخ الدكتور إبراهيم درويش
و كتيب (الصيام مشكاة خير )للشيخ أحمد معاذ الخطيب الحَسني من سلسلة البناء و الترشيد