رغم أن العالم الإسلامي كان من المفترض أن يكون المحور الرئيس
للخطاب الذي وجهه أوباما من القاهرة في 4 يونيو / حزيران ، إلا أن المفاجأة التي
لم يتوقعها أحد وصدمت كثيرين هى أن أوباما غازل اليهود أكثر من المسلمين
،فهو أكد أن العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل
قوية جدًا وتشكل رابطا غير قابل للكسر ، قائلا :" لا يمكن إنكار حق الشعب اليهودي
في الحياة ، فقد تعرض للقمع والاضطهاد ومعاداة السامية ، وهو الأمر الذي وصل في
أوروبا لدرجة المحرقة في اليهود وإعدامهم في أفران الغاز وقتل 6 ملايين منهم".
ولم يكتف بما سبق ، بل إنه ساوى بين الضحية والجلاد
عندما دعا الفلسطينيين إلى التخلي عما أسماه العنف والقتل ، مطالبا حركة حماس
بالتوقف عن المقاومة والاعتراف بحق إسرائيل في الوجود والاعتراف بكافة الاتفاقيات
الدولية والتي تم توقيعها سابقا مع الدولة العبرية.
وهو هنا لم ينكر فقط حق الشعوب الواقعة تحت الاحتلال
في المقاومة وإنما انحاز للرؤية الإسرائيلية العنصرية حول يهودية إسرائيل عندما أكد
ضرورة الاعتراف لإسرائيل بـ "حلم الوطن اليهودي" ، الأمر الذي يعني عمليا إلغاء حق
العودة وطرد عرب 48 من داخل الخط الأخضر.
وقبل أن
يستطرد أوباما أكثر وأكثر في مدح إسرائيل ، تذكر فجأة أنه يخاطب العالم الإسلامي
ويتحدث من القاهرة ، ولذا سرعان ما تحدث عن معاناة الفلسطينيين ، قائلا :" الاعتراف
بحق إسرائيل في الوجود لا يعني انكار هذا الحق على الشعب الفلسطيني ، نحن لا نقبل
مشروعية الاستمرار في الاستيطان الاسرائيلي ، بناء المستوطنات يقوض السلام وآن
الآوان أن تتوقف هذه المستوطنات ".
وشدد على ضرورة إنهاء الأزمة الإنسانية في غزة ، قائلا
:" الشعب الفلسطيني أيضا قد عانى سعيا لتحقيق وطن له على مدى 60 عاما ، تحملوا ألم
النزوح ، حيث يعيش الكثير في مخيمات اللاجئين محرومين من حياة ، يذوقون الإهانة ،
ينبغي ألا يكون هناك شك أن الوضع غير مقبول ، الولايات المتحدة لن تدير ظهرها
للحقوق الفلسطينة المشروعة ، ومنحهم فرصة للحياة ، يجب التوصل إلى إقامة دولتين
فلسطينية وإسرائيلية بكل تفاني ، آن الأوان لكل الأطراف أن ترقي إلى
مسئوليتها".
التصريحات السابقة وإن كانت تظهر أن أوباما حاول إيجاد
التوازن إلا أنه وقع في خطأ محاباة إسرائيل عندما تحدث عنها أكثر من الفلسطينيين
وعندما تحدث عن المحرقة اليهودية وهو يخاطب المسلمين وعندما تجاهل عن عمد الحديث عن
محرقة غزة ، وعندما جاء خطابه "فضفاضا " لا يتضمن أية التزامات أو سياسات عملية
تجاه عملية السلام في الشرق الأوسط ، بل إنه أثار قلق الفلسطينيين عندما أكد أنه لن
يفرض حلا على أحد وأن نسيان الماضي والتطلع للمستقبل لن يكون أمرا سهلا ، مطالبا
الجميع بالصبر.
أما فيما يتعلق بالحرب على "الإرهاب" التي دشنها سلفه
بوش ، فإن أوباما لم يأت بجديد رغم أنه لم يستخدم مصطلح "الإرهاب" واكتفى بكلمة "
المتشددين" ، فهو لم يتعهد بإنهاء الحرب في أفغانستان بل إنه شدد على الاستمرار
فيها بالقول :" لم نذهب للحرب في أفغانستان منذ سبع سنوات باختيارنا ، ولكن بحكم
الضرورة فالقاعدة وطالبان قتلت 3 آلاف شخص في الحادي عشر من سبتمبر ، حيث ارتأت
القاعدة إلحاق الأذى بالولايات المتحدة ، لا نسعى لإقامة قواعد عسكرية في أفغانستان
، هناك أمر مؤلم ، نخسر أبناءنا ونتطلع بكل فرح لرجوع كل فرد إلى بلدنا ، ولكن لن
يتم ذلك قبل أن نتأكد أن لن يكون هناك عنف مسلح في أفغانستان وباكستان ، وهو أمر
غير موجود الآن ، لا أحد يجب أن يتسامح مع التشدد ، فكما قال القرآن الكريم من قتل
نفسا بغير نفس كأنما قتل الناس ، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس
جميعا".
وبالنسبة للعراق ، فهو أكد أن حال شعب العراق أفضل
حالا الآن بعد التخلص من نظام صدام حسين ، رغم أن الواقع على الأرض عكس ذلك
.
أما فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني، فهو جدد دعوته للحوار مع
طهران ، قائلا :" لقد أوضحت للشعب الايراني أن بلدي مستعدة للمضي قدما في تحسين
العلاقات بين واشنطن وطهران وهذا مرتبط بالمستقبل الذي تريده إيران ، سيكون هناك
الكثير من القضايا والنقاش بين البلدين على أساس الاحترام المتبادل ، سباق التسلح
النووي في الشرق الأوسط قد يدفع العالم لطرق محفوفة بالمخاطر"، مؤكدا في الوقت ذاته
أن كل
دولة لها الحق في الطاقة النووية السلمية .
وبالنسبة لقضية الديمقراطية ، فقد أكد أوباما أن
أمريكا لن تفرض قيمها على الآخرين وذلك في محاولة لتفادي الصدام مع حكومات المنطقة،
ولكى لايغضب المعارضة بعث برسالة ضمنية للحكام العرب والمسلمين مفادها أن
الديمقراطية تعني حكومات مستقرة ، مطالبا بالتركيز على التعاون بين دول العالم في
مجالات التعليم والتنمية وضمان حقوق المرأة والقضاء على البطالة
.
ورغم أن ما سبق يؤكد أن خطاب أوباما كان شاملا وتطرق
لكافة القضايا ، إلا أنه لم يقدم أجندة عملية أو يتطرق لتفاصيل القضايا المصيرية ،
بل إنه سعى للإمساك بالعصا من المنتصف وتفادى الصدام مع الجميع ، وتلك الدبلوماسية
الناعمة لا تحل قضايا أو تنصف مظلوما.
صحيح أن أوباما خاطب العالم الإسلامي بنبرة هادئة تقوم
على أساس الاحترام المتبادل بعكس سلفه بوش الذي وصف الإسلام بـ "الفاشية والإرهاب"
، إلا أن هذا لا يعني الاطمئنان كلية لسياسة أمريكا والارتماء في أحضانها وتقديم
المزيد من التنازلات إليها ، فأمريكا هى دولة مؤسسات وأيا كانت قيم وأخلاق الرئيس
فإنه لايستطيع أن يحيد عن السياسة المرسومة له والتي تقوم على تفوق أمريكا وحماية
أمن إسرائيل.
كما أن ما يحدث حاليا هو على الأرجح تغيرا طارئا
مرتبطا بظروف طارئة تمثلت في أزمة اقتصادية طاحنة يئن تحت وطأتها الكبار والصغار ،
ولذا اختار الأمريكيون أوباما ذي الأصول الإفريقية المسلمة للإيحاء بأن هناك تغييرا
في السياسة الأمريكية وذلك لتحسين صورتهم التي ساءت كثيرا في عهد بوش والحصول على
دعم الآخرين وخاصة الدول النفطية العربية في النهوض باقتصادهم المترنح
.
والخلاصة أنه يجب على المسلمين انتظار أفعال أوباما
وليست أقواله وعدم الجري وراء سراب الدغدغة العاطفية التي تضمنها خطابه ، فهو كان
من الذكاء بمكان عندما استشهد بآيات قرآنية ، باعتبار أن التدين الشديد من سمات
العرب والمسلمين ويتم استقطابهم بمخاطبتهم دينيا ، إلا أن هذه ليست المرة الأولى
التي يستشهد فيها رئيس أمريكي بآيات قرآنية ، فالرئيس الأسبق بيل كلينتون فعل الشيء
ذاته ، إلا أن الفارق أن سياسة كلينتون كانت واضحة وعملية ، بعكس أوباما الذي جاء
خطابه أشبه بمحاضرة أخلاقية أكثر منها خطة واضحة المعالم لمصالحة فعلية مع العالم
الإسلامي.